الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
لنا جاملٌ لا يهدأ الليل سامره على أن جاملاً ليس بجمع، بدليل عود الضمير عليه من سامره مفرداً. قال صاحب الكشاف في سورة الأعراف: الأناس اسم جمع غير مكسر بدليل عود الضمير المفرد إليه، وتصغيره على لفظه. والسابق إلى هذا أبو علي، قال في البغداديات، فإن قال قائل: فهلا جاز تكسيره، أي: اسم الجمع، كما جاء تحقيره، فما حكاه سيبويه من قولهم: رجل ورجيل؟ قيل له: لا ينبغي أن يجوز. وذلك أن هذا الاسم على بناء الآحاد، والمراد به الكثرة، فلو كسر كما صغر لكان في ذلك إجراؤه مجرى الآحاد، وإزالته عما وضع له من الدلالة على الكثرة، إذ كان يكون في ذلك مساواته له من جهة البناء والتكسير والتحقير، والحديث عنه كالحديث عن الآحاد، نحو ما أنشد أبو الحسن: لهم جاملٌ لا يهدأ الليل سامره وهذا كل جهاته، وعامته، فيجب إذا صغر أن لا يكسر، فيكون بترك تكسيره منفصلاً، مما يراد به الآحاد دون الكثرة. انتهى. والمصراع من قصيدة للحطيئة هجا بها الزبرقان بن بدرٍ الصحابي التميمي، ومدح فيها ابن عمه بغيض بن شماس، وفضله عليه. وتقدم السبب في هذا مفصلاً في باب ما لا ينصرف. والرواية ذوو جامل بدل: لنا جامل. وهذه أبيات منها: فدع آل شماس بن لأيٍ فإنهم *** مواليك وكاثر بهم من تكاثره أتحصر أقواماً يجودوا بمالهم *** فلولا قبيل الهرمزان تحاصره فلا المال إن جادوا به أنت مانعٌ *** ولا العز من بنيانهم أنت عاقره فإن تك ذا عزٍّ حديثٍ فإنهم *** لهم إرث مجدٍ لم تخنه زوافره فإن تك ذا شاءٍ كثيرٍ فإنهم *** ذوو جاملٍ لا يهدأ الليل سامره وقوله: مواليك، أي: أبناء عمك. والمكاثرة: المفاخرة. أي: فاخر بهم إذا لم يكن عندك من الفخر ما تفاخر به. وقوله: أتحصر أقواماً إلخ، أي: أتمنع وتحبس؟! يقول: دع هؤلاء الذين يجودون بمالهم. وعليك بالهرمزان فامنعه. أي: إنك لا تقدر إلا على العجم. ولولا: بمعنى هلا. والهرمزان: كان والي مدينة تستر. فلما فتحت جاؤوا به إلى عمر بن الخطاب. وقوله: فإن تك ذا عزٍّ إلخ، الحديث: الحادث. يريد أن عزه حادث بتوليته النبي صلى الله عليه وسلم صدقات بني تميم. والإرث: بالكسر: الأصل والمجد والشرف. وزوافره: مواده وروافده، يقال: هو زافرتهم عند السلطان، أي: يقوم بأمرهم ويعينهم. ويقال: هو في زافرة قومه، أي: في عددهم وكثرتهم. ويقال: زوافره: معظمه. وقوله: فإن تك ذا شاءٍ كثيرٍ إلخ، الشاء: جمع شاة. قال صاب المصباح: الشاة من الغنم يقع على الذكر والأنثى، فيقال: هذا شاةٌ للمذكر، وهذه شاة للأنثى، وشاة ذكر وشاة أنثى، وتصغيرهما شويهة. والجمع شاءٌ وشاهٌ بالهاء رجوعاً إلى الأصل، كما قيل: شفة وشفاه. ويقال: أصلها شاهة مثل عاهة. انتهى. والجامل: اسم جمع بمعنى جماعة الإبل مع رعاتها. والهدء، مهموز الآخر: السكون. والليل: ظرف، وسامره: فاعله، والضمير للجامل. أي: لا يسكن ولا ينام الذي يحفظ الإبل، وهو السامر. يعني أن الرعاة يسهرون ليلهم لحفظ إبلهم. قال صاحب الصحاح: السمر: المسامرة، وهو الحديث بالليل، وقد سمر يسمر، فهو سامر. والسامر أيضاً: السمار، وهم القوم يسمرون. انتهى. وترجمة الحطيئة تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين بعد المائة. وأنشد بعده: الطويل مع الصبح ركبٌ من أحاظة مجفل على أن ركباً ليس جمعاً بدليل عود الضمير إليه من صفته بالإفراد، ولو كان جمعاً لقيل: مجفلون. والمصراع من لامية العرب للشنفرى، تقدم الكلام عليه قبل باب المثنى، في الشاهد السابع والخمسين بعد الخمسمائة. وأنشد بعده: الوافر عرفنا جعفراً وبني أبيه *** وأنكرنا زعانف آخرين على أن نون الجمع قد تكسر في ضرورة الشعر كما في آخرين. وقد يمكن أن تكون كسرة النون كسرة إعراب، كما تقدم النقل عن أبي علي في باب التثنية. وسيأتي في آخر هذا الباب، فلا ضرورة حينئذ. قال الشارح المحقق، فيما سيأتي: إذا كسرت النون، فلا يكون ما قبلها إلا الياء. وكذلك نص ابن عصفور في كتاب الضرائر أن كسر نون الجمع لا يكون إلا في حال النصب والخفض، كما أن فتح نون التثنية لا يكون إلا كذلك. فلكسرها شرطان: أحدهما: الشعر، وثانيهما: الياء. وبهذا يعرف سقوط قول ابن هشام في شرح الشواهد: إن الشرط الثاني قد أهمله النحويون، وإن الشرط الأول أهمله ابن مالك في منظومته دون التسهيل. قال ابن عصفور: ووجه كسر النون تحريكها على أصل التقاء الساكنين. وقال العيني: ويقال إن كسر نون الجمع ليس بضرورة، وإنما هو لغةٌ لقوم بنى الشاعر كلامه على هذه اللغة. والبيت آخر أبياتٍ أربعة لجرير، خاطب بها فضالة العريني أوردها محمد بن حبيب في المناقضات، وهي: الوافر أتوعدني وراء بني رياحٍ *** كذبت لتقصرن يداك دوني فنعم الوفد وفد بني رياحٍ *** ونعم فوارس الفزع اليقين عرينٌ من عرينة ليس من *** برئت إلى عرينة من عرين عرفنا جعفراً وبني عبيدٍ *** وأنكرنا زعانف آخرين وزاد العيني في روايته بعد هذا بيتاً، وهو: قبيلةٌ أناخ اللؤم فيه *** فليس اللؤم تاركهم لحين وسبب هذا، على ما حكاه محمد بن حبيب: أن جريراً لما هجا غسان السليطي، وهو سليط بن الحارث بن يربوع. وكان خال فضالة أحد بني عرين بن ثعلبة بن يربوع، قال فضالة لجريرٍ: أتهجو خالي، أما والله لأقتلنك! فقال جريرٌ هذه الأبيات. وقوله: أتوعدني إلخ، الهمزة للإنكار، ووراء بمعنى خلف. ورياح بكسر الراء بعدها مثناة تحتية، هو رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وبنوه هم: همام، وهرمي، وحميري، وزيد، وعبد الله، ومنقذ، وجابر. وقوله: فنعم الوفد إلخ، الوفد: الجماعة. والفزع: الخوف. وإنما وصفه باليقين لأن المدح إنما يكون لمن يغيث عند الخوف المتيقن، لا الخوف المتوهم، والمظنون. وقوله: عرين من عرينة إلخ، عرين، بفتح العين وكسر الراء: هو عرين بن ثعلبة بن يربوع، وهو مبتدأ وخبره من عرينة. وهو بضم العين وفتح الراء، وهو بطن من بجيلة، من قبائل اليمن، وهو عرينة بن قسر بن عبقر بن أنمار بن إراش ابن عمرو بن الغوث بن نبت بن زيد بن كهلان. وبجيلة هي أم عبقر، وهي بجيلة بنت سعد العشيرة، وهي أم جماعةٍ كل منهم بطن، بها يعرفون. وجملة: ليس منا، خبر ثان، ومستأنفة. يريد: إن عريناً قحطاني لا عدناني، وإنما نفاه عن نسبه، وجعله قحطانياً نكاية في فضالة، فإنه من ولد عرين. وقوله: برئت إلى عرينة إلخ، قال ابن هشام في شرح الشواهد: الأصل برئت إليه منه، فأناب الظاهرين عن الضميرين، لإيضاح المتبرأ منه من المتبرأ إليه، ولأن إيقاع البراءة على صريح اسم عرين أبلغ. وقال العيني: يقال برىء إليه بمعنى برىء له، لأن إلى تجيء مرادفة للام. ويجوز أن تكون إلى للغاية. والمعنى برئت من عرين منتهياً إلى عرينة، فيكون إلى عرينة حال. هذا كلامه. وقوله: عرفنا جعفراً وبني أبيه، أي: إخوته، وهم جعفر وجهور وعبيد. وكذا عرين أخوهم لكنه نفاه منهم. وجميعهم أولاد ثعلبة بن يربوع. وثعلبة هو أخو كليب بن يربوع. وجرير من أولاد كليب، فرياح ثعلبة وكليب إخوة. وروى: عرفنا جعفراً وبني عبيدٍ وقوله وأنكرنا زعانف إلخ، نا: فاعل، وزعانف: مفعوله. وهذا تعريض بفضالة من بني عرين بأنه من الملحقين والأتباع، لا من الصريح الخالص النسب. وزعانف: جمع زعنفة بكسر الزاي والنون وسكون العين بينهما. قال محمد بن حبيب: الزعانف: الأتباع، واحدة زعنفة، وهو من زعانف الثوب: أهدابه التي تنوس منه. وكذلك لئام الناس ورذالهم إنما هو من أطراف الأديم وأخبثه. وآخرين: صفة لموصوف محذوف، أي: قوم آخرين، كذا قال الشارح المحقق. وترجمة جرير تقدمت في الشاهد الرابع من أول الكتاب. وأنشد بعده: الخفيف نضر الله أعظماً دفنوه *** بسجستان طلحة الطلحات على أن السماع والاستعمال في نحو: طلحة، وهو كل علم مذكر مختوم بالهاء، جمعه بالألف والتاء، ولم يسمع جمعه بالواو والنون. وقد بسط ابن الأنباري الكلام على هذه المسألة في مسائل الخلاف فلا بأس بإيراده، قال: ذهب الكوفيون إلى أن الاسم الذي آخره تاء التأنيث إذا سمي به رجلٌ يجوز أن يجمع بالواو والنون، نحو: طلحة وطلحون. وإليه ذهب ابن كيسان إلا أنه يفتح اللام فيقول: طلحون بالفتح، كما قالوا: أرضون حملاً على أرضات. واحتج الكوفيون بأنه في تقدير جمع طلح، لأن جمع قد تستعمله العرب على تقدير حذف حرفٍ من الكلمة، قال الشاعر: الرجز وعقبة الأعقاب في الشهر الأصم فكسره على ما لا هاء فيه. وإذا كانت الهاء في تقدير الإسقاط، جاز جمعه بالواو والنون. ويدل لنا أنا أجمعنا على أنه لو سمي رجل بحمراء وحبلى جمع بالواو والنون. ولا خلاف أن ما في آخره ألف التأنيث أشد تمكناً في التأنيث مما في آخره تاء التأنيث، لأن ألف التأنيث صيغت الكلمة عليها، ولم تخرج الكلمة من التذكير إلى التأنيث، وتاء التأنيث ما صيغت الكلمة عليها، وأخرجت الكلمة من التذكير إلى التأنيث. ولهذا المعنى قام التأنيث بالألف في منع الصرف مقام شيئين، بخلاف التأنيث بالتاء. فإذا جاز أن يجمع بالواو والنون ما في آخره ألف التأنيث، وهي أوكد من التاء، فلأن يجوز فيما آخره التاء كان ذلك من طريق الأولى. وأما ابن كيسان فاحتج على ذلك بأنه إنما جوزنا جمعه بالواو والنون، لأن التاء تسقط في الطلحات، فإذا سقطت وبقي الاسم بلا تاء، جاز جمعه بالواو والنون، كقولهم: أرض وأرضون. وكما حركت العين في أرضون بالفتح حملاً على أرضات، فكذلك حركت العين من الطلحون حملاً على الطلحات، لأنهم يجمعون ما كان على فعلة من الأسماء دون الصفات، على فعلات بالتحريك. وقال البصريون: لا يجوز هذا الجمع. والدليل على امتناعه أن نحو طلحة فيه علامة التأنيث، والواو والنون علامة التذكير، فلو قلنا إنه يجوز الجمع بالواو والنون، لأدى إلى أن يجمع في اسم علامتان متضادتان، وذلك لا يجوز. ولهذا إذا وصفوا المذكر بالمؤنث، فقالوا: رجل ربعة جمعوه ربعاتٍ بلا خلاف، ولم يقولوا: ربعون. والذي يدل على صحة هذا القياس أنه لم يسمع من العرب في جمع هذا الاسم إلا بالألف والتاء كقولهم في طلحة: طلحات، وهبيرة: هبيرات ولم يسمع عن أحدٍ من العرب أنهم قالوا: الطلحون. فإذا كان هذا الجمع مدفوعاً من جهة القياس، معدوماً من جهة النقل، وجب أن لا يجوز. وأما قولهم إنه في التقدير جمع طلح ففاسد، لأن الجمع إنما وقع على جميع حروف الاسم، وتاء التأنيث من جملته، فلم ننزعها عنه قبل الجمع، وإن كان اسماً لمذكر، لئلا يكون بمنزلة ما سمي به ولا علامة فيه. فالتاء في جمعه مكان التاء في واحده. وأما ما استشهدوا به من قولهم: وعقبة الأعقاب في الشهر الأصم فهو مع شذوذه وقلته، لا تعلق له بما وقع الخلاف فيه، لأن الجمع التصحيح ليس على قياس جمع التكسير ليحمل عليه. وأما قولهم: إنا أجمعنا على جمع نحو حمراء وحبلى علمين بالواو والنون. قلنا: إنما جاز لأن ألف التأنيث يجب قلبها إلى بدل، لأنها صيغت الكلمة عليها، فتنزلت منزلة بعضها، فلم يفتقر لعلامة تأنيث الجمع بخلاف التاء فإنه يجب حذفها إلى غير بدل، لأنها ما صيغت عليها الكلمة، وإنما هي بمنزلة اسمٍ ضم إلى اسم، فجعلت علامة تأنيث الجمع عوضاً منها. وأما قول ابن كيسان: إن التاء تسقط في الطلحات، فإذا سقطت جاز الجمع، ففاسد، لأن التاء وإن كانت محذوفة لفظاً إلا أنها ثابتة تقديراً، لأنهم لما أدخلوا تاء التأنيث في الجمع حذفوا هذه التاء التي كانت في الواحد، لأنهم كرهوا أن يجمعوا بين علامتي تأنيث. وكان حذف الأولى أولى لأن في الثانية زيادة معنى، فإن الأولى تدل على التأنيث فقط، والثانية تدل على التأنيث والجمع، وهي حرف إعراب، فحذف الأولى بمنزلة ما حذف لالتقاء الساكنين، فإنه وإن كان محذوفاً لفظاً إلا أنه ثابت تقديراً. والذي يدل على فساد ما ذهب إليه من فتح العين من الطلحون أن هذا الجمع يسلم فيه نظم الواحد في حروفه وحركاته، والفتح يدخل في جمع التصحيح تكسيراً. فأما قوله: إن العين حركت من أرضون بالفتح حملاً على أرضات. قلنا: لا نسلم، وإنما غير فيه لفظ الواحد، لأنه جمعٌ على خلاف الأصل، لأن الأصل في هذا الجمع أن يكون لمن يعقل، ولكنهم لما جمعوه بالواو والنون غيروا فيه نظم الواحد تعويضاً عن حذف تاء التأنيث فيه، تخصيصاً له بشيء لا يكون في سائر أخواته، مع أن هذا التعويض تعويض جواز لا تعويض وجوب. ألا ترى أنهم لا يقولون في جمع شمس شمسون ولا في جمع قدر قدرون؟ فلما كان هذا الجمع في أرض على خلاف القياس، أدخل فيه ضربٌ من التغيير، فأما إذا جمع من يعقل بالواو والنون، فلا يجوز أن يجعل بهذه المثابة، لأن جمعه بحكم الأصل، فلا يجوز أن يدخله تغيير. ويخرج على هذا حذف التاء وفتح العين من طلحات. أما حذف التاء فلأن التاء الثانية صارت عوضاً عنها لأنها للتأنيث. وأما أنتم فحذفتم من غير عوض، فبان الفرق. وأما فتح العين فلأجل الفصل بين الاسم والصفة، فإن ما كان على فعلة من الأسماء فإنه يفتح منه العين، نحو: جفنان وقصعات. وما كان صفةً فإنه لا يحرك منه العين نحو: صعبات. وأما جمع التصحيح فلا يدخله شيءٌ من هذا التغيير. سواءٌ كان اسم وصفة. فبان الفرق بينهما. والله أعلم. انتهى كلام ابن الأنباري مختصراً. واعلم أن فتح عين فعلة الاسمي في الجمع واجبٌ، ويجوز تسكينه في الضرورة كما يأتي في بابه. ومنه قول البحتري: المتقارب وكيف يسوغ لكم جحده *** وطلحتكم بعض طلحاته خلافاً لأبي العلاء المعري في شرحه فإنه زعم أنه غير ضرورة. وقوله: طلحة الطلحات روي بالجر والنصب. قال أبو حيان في تذكرته: حكى الكسائي والفراء عن العرب هذا البيت بخفض طلحة على تكرير الأعظم، أي: أعظم طلحة الطلحات. وما اختلفوا في جواز نصب طلحة بالرد على الأعظم، والحمل على إعرابها. انتهى. وجعل ابن عصفور في كتاب الضرائر الجر من الضرورة. قال: ومنه حذف المضاف من غير أن يقام المضاف إليه مقامه، نحو قوله: بسجستان طلحة الطلحات في رواية من خفض طلحة، يريد أعظم طلحة الطلحات، فحذف المضاف الذي هو أعظم، لدلالة أعظم المتقدم الذكر عليه. ولم يقم المضاف إليه وهو طلحة مقامه، بل أبقاه على خفضه. انتهى. وقال ابن بري في شرح أبيات الإيضاح: والأشبه عندي أن تخفضه بإضافة سجستان إليه، لأنه كان أميرها. انتهى. وقول ابن حيان: نصب طلحة بالرد على الأعظم يعني البدلية. وزعم بعضهم أنه بدل كل من بعض. وزاد هذا القسم في الأبدال. والصحيح أنه بدل كل من كل، بجعل أعظم من قبيل ذكر البعض وإرادة الكل، بدليل المعنى. وقال ابن السيد البطليوسي في أبيات المعاني: من نصب طلحة فعلى إضمار أعني، لأنه نبه عليه بضرب من المدح لما تقدم من الترحم عليه. وذهب آخرون في نصبه إلى حذف حرف الجر، كأنه أراد رحم الله أعظماً دفنوها لطلحة، فلما حذف الجار نصب. وقد دفع قومٌ النصب، وأنشدوه بالجر على تقدير مضاف، كأنه في التقدير: أعظم طلحة الطلحات، ثم حذف الثاني لدلالة الأول عليه. وهذا شاذٌّ، يقل في كلامهم حذف الجار، مع بقاء عمله. انتهى. وطلحة الطلحات هو أحد الأجواد المشهورين في الإسلام، واسمه طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي. وأضيف إلى الطلحات لأنه فاق في الجود خمسة أجواد اسم كل واحدٍ منهم طلحة، وهم طلحة الخير، وطلحة الفياض، وطلحة الجود، وطلحة الدراهم، وطلحة الندى. وقيل كان في أجداده جماعةٌ اسم كلٍّ طلحة. كذا قال ابن الحاجب في شرح المفصل. وقال إبراهيم الوطواط في كتاب الغرر والخصائص الواضحة: قيل سمي بذلك لأنه كان أجودهم، وقيل لأنه وهب في عامٍ واحدٍ ألف جارية، فكانت كل جارية منهن إذا ولدت غلاماً تسميه طلحة على اسم سيدها. وذكر الطلحات الخمسة، وهم طلحة بن عبيد الله التيمي، وهو طلحة الفياض، وطلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي أيضاً، وهو طلحة الجود. وطلحة بن عبد الله بن عوف الزهري، أخي عبد الرحمن بن عوف، وهو طلحة الندى. وطلحة بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو طلحة الخير. وطلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ويسمى طلحة الدراهم. وطلحة ابن عبد الله بن خلف الخزاعي وهو سادسهم المشهور بطلحة الطلحات. انتهى. وقال ابن بري في شرح أبيات الإيضاح: سمي طلحة الطلحات بسبب أمه، وهي صفية بنت الحارث بن طلحة بن أبي طلحة، وأخوها طلحة بن الحارث، فقد تكنفه الطلحات كما ترى، ففصل بهذه الإضافة من غيره من الطلحات. وكانوا ستة. انتهى. وكان والي سجستان، وبها مات. قال الزمخشري في أمثاله: قال سحبان بن وائل البليغ المشهور في طلحة الطلحات: مجزوء الكامل يا طلح أكرم من مشى *** حسباً وأعطاه لتالد منك العطاء فأعطني *** وعلي حمدك في المشاهد فحكمه، فقال: فرسك الورد، وقصرك بزرنج، وغلامك الخباز وعشرة آلاف درهم. فقال طلحة: أفٍّ لك، لم تسألني على قدري، وإنما سألتني على قدرك، وقدر قبيلتك باهلة! والله لو سألتني كل فرسٍ وقصرٍ وغلامٍ لي لأعطيتك! ثم أمر له بما سأل، وقال: والله ما رأيت مسألة محكم ألأم منها. قال ياقوت في معجم البلدان: سجستان: ناحيةٌ كبيرة وولاية واسعة. ذهب بعضهم إلى أن سجستان اسمٌ للناحية، وأن اسم مدينتها زرنج، بتقديم المعجمة على المهملة، وبينها وبين هراة عشرة أيام، ثمانون فرسخاً وهي جنوبي هراة. وأرضها كلها رملة سبخة، والرياح فيها لا تسكن أبداً. ولا تزال شديدة تدير رحيهم، وطحنهم كله على تلك الرحي. وهي من الإقليم الثالث، وفيها نخلٌ كثير وتمر. ونضر بمعنى حسن. والمشهور: رحم الله أعظماً. والبيت أول قصيدةٍ عدتها أربعة عشر بيتاً لقيس الرقيات، رثى بها طلحة الطلحات، وبعده: كان لا يحرم الخليل ولا يع *** تل بالبخل طيب العذرات سبط الكف بالنوال إذا م *** كان جود البخيل حبس العدات في الزاهر لابن الأنباري، قال الأصمعي: العذرة: فناء الدار. والعذرات: أفنية الدور. وكانوا فيما مضى يطرحون النجاسات في أفنية دورهم، فسموها باسم الموضع، وكذلك الغائط هو عند العرب ما اطمأن من الأرض، وكانوا فيما مضى إذا أراد الرجل قضاء حاجته طلب الموضع المطمئن من الأرض، فكثر هذا، حتى سموا الحدث باسم الموضع. وكذلك الكنيف في كلام العرب: الحظيرة التي تعمل للإبل فتكنفها من البرد، فسموا ما حظروه وجعلوه موضعاً للحدث بذلك الاسم، تشبيهاً به. انتهى. وقد تقدمت ترجمة قيس الرقيات في الشاهد الثالث والثلاثين بعد الخمسمائة. وأنشد بعده: الوافر فما وجدت بنات ابني نزارٍ *** حلائل أسودين وأحمرينا على أن ابن كيسان استدل بهذا البيت على جواز جمع أحمر وأسود بالواو والنون، وهو عند غيره شاذ. والبيت قد تقدم شرحه مفصلاً في الشاهد الرابع والعشرين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده: الطويل وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم على أن فانكح عند الأخفش خبر المبتدأ الذي هو خولان، والفاء زائدة في الخبر، وعند سيبويه غير زائدة، والأصل عنده: هذه خولان فانكح فتاتهم. والمصراع صدرٌ، وعجزه: وأكرومة الحيين خلوٌ كما هيا وتقدم الكلام عليه مستوفًى في الشاهد السابع والسبعين من باب المبتدأ. وخولان: حيٌّ من أحياء اليمن. وأنشد بعده: وهو من شواهد س: الرجز إنك إن يصرع أخوك تصرع على أن إلغاء الشرط المتوسط بين المبتدأ والخبر ضرورة، فإن جملة تصرع خبر إن، والجملة دليل جزاء الشرط، وجملة الشرط معترضةٌ بين المبتدأ والخبر. ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في الجوازم: والبيت من رجز لعمرو بن خثارمٍ البجلي، وهو: الرجز يا أقرع بن حابسٍ يا أقرع *** إني أخوك فانظرن ما تصنع إنك إن يصرع أخوك تصرع *** إني أنا الداعي نزاراً فاسمعوا في باذخٍ من عز مجدٍ يفرع *** به يضر قادرٌ وينفع وأدفع الضيم غداً وأمنع *** عزٌّ ألد شامخٌ لا يقمع يتبعه الناس ولا يستتبع *** هل هو إلا ذنبٌ وأكرع وزمعٌ مؤتشب مجمع *** وحسبٌ وغلٌ وأنفٌ أجدع قال ابن الأعرابي في نوادره: كان جرير بن عبد الله البجلي تنافر هو وخالد ابن أرطاة الكلبي إلى الأقرع بن حابس، وكان عالم العرب في زمانه. والمنافرة: المحاكمة، من النفر، لأن العرب كانوا إذا تنازع وتفاخر الرجلان منهم، وادعى كل واحدٍ أنه أعز من صاحبه تحاكما إلى عالم، فمن فضل منهما قدم نفره عليه، أي: فضل نفره على نفره. فقال الأقرع: ما عندك يا خالد؟ فقال: ننزل البراح، ونطعن بالرماح، ونحن فتيان الصياح. فقال: ما عندك يا جرير؟ فقال: نحن أهل الذهب الأصفر، والأحمر المعتصر، نخيف ولا نخاف، ونطعم ولا نستطعم. ونحن حيٌّ لقاحٌ، نطعم ما هبت الرياح. نطعم الدهر، ونصوم الشهر، ونحن ملوك القسر. فقال الأقرع: واللات والعزى، لو نافرت قيصر ملك الروم، وكسرى عظيم الفرس، والنعمان ملك العرب، لنفرت عليهم. وروى: لنصرت عليهم. فقال عمرو بن خثارم البجلي هذه الأرجوزة في تلك المنافرة. وقوله: يا أقرع بن حابس هو من الصحابة رضي الله عنهم، وكانت هذه المنافرة في الجاهلية قبل إسلامه. والصرع: الهلاك. ونزار هو أبو قبيلة، وهو نزار بن معد بن عدنان. والباذخ: العالي، يقال: جبلٌ باذخ بمعجمتين. والمجد: العظمة والشرف. ويفرع: أي: يعلو كل عزٍّ ومجد. يقال: فرعت قومي، أي: علوتهم بالشرف ونحوه. وهو بالفاء ومهملتين. والألد: الأشد. ولده يلده: غلبه في الخصومة. والشامخ: المرتفع. ويقمع، أي: يقهر ويذل، يقال: قمعه بالقاف والميم فانقمع. وقوله: هل هو الضمير لخالد بن أرطاة الكلبي، والأكرع: جمع كراع بالضم، وهو مستدق الساق، استعاره لأسفل الناس، كالذنب. والزمع، بفتح الزاي والميم، هو رذال الناس. يقال: هو من زمع الناس. أي: مآخيرهم. والمؤتشب، بفتح الشين، قال في الصحاح: وفلان مؤتشبٌ، أي: مخلوط غير صريح في نسبه. والوغل، بفتح الواو وسكون المعجمة. قال في الصحاح: والوغل: النذل من الرجال. وأجدع بالجيم والدال المهملة: مقطوع الأنف. وقوله: ننزل البراح بفتح الموحدة والحاء المهملة: المكان الذي لا سترة فيه من شجر وغيره، وهو منزل الكرماء. وقوله: والأحمر المعتصر هو الخمر. وقوله: حيٌّ لقاح بفتح اللام بعدها قاف، قال في الصحاح: يقال: حيٌّ لقاح للذين لا يدينون للملوك، ولم يصبهم في الجاهلية سباء. وجرير بن عبد الله البجلي صحابي، وكان جميلاً. قال عمر رضي الله عنه: هو يوسف هذه الأمة. وقدمه عمر في حروب العراق على جميع بجيلة، وكان لهم أثرٌ عظيم في فتح القادسية. ثم سكن جريرٌ الكوفة، وأرسله علي رضي الله عنه رسولاً إلى معاوية، ثم اعتزل الفريقين وسكن قرقيساء حتى مات سنة إحدى، وقيل أربع وخمسين. وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي الخلصة فهدمها. وفيه قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم . كذا في الإصابة لابن حجر. وخالد بن أرطاة الكلبي جاهلي. والأقرع بن حابس صحابيٌّ. قال ابن حجر في الإصابة: هو الأقرع ابن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي المجاشعي الدارمي. قال ابن إسحاق: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح مكة وحنيناً والطائف، وهو من المؤلفة قلوبهم. وقد حسن إسلامه. وقال الزبير في النسب: كان الأقرع حكماً في الجاهلية، وفيه يقول جرير، وقيل غيره، لما تنافر إليه وهو والفرافصة وخالد بن أرطاة: يا أقرع بن حابس يا أقرع *** إنك إن يصرع أخوك تصرع قال ابن دريد: اسم الأقرع بن حابس فراس، وإنما قيل له الأقرع لقرع كان برأسه. وكان شريفاً في الجاهلية والإسلام. وروى ابن شاهين أنه لما أصاب عيينة بن حصن بني العنبر، قدم وفدهم. فذكر القصة وفيها: فكلم الأقرع بن حابس رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبي. وكان بالمدينة قبل قدوم السبي. وفي ذلك يقول الفرزدق يفخر بعمه الأقرع: الطويل وعند رسول الله قام ابن حابسٍ *** بخطة سوارٍ إلى المجد حازم له أطلق الأسرى التي في قيوده *** مغللةً أعناقها في الشكائم وأما عمرو بن خثارم البجلي فهو جاهلي، والله أعلم. هذا على وجه الاختصار، وأما على وجه البسط فهو ما أورده أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب قال: أملى علينا أبو الندى، قال: كان سبب المنافرة بين جرير بن عبد الله البجلي، وبين خالد بن أرطاة بن خشين بن شبث الكلبي، أن كلباً أصابت في الجاهلية رجلاً من بجيلة، يقال له: مالك بن عتبة، من بني عادية بن عامر بن قداد، فوافوا به عكاظ. فمر العادي بابن عمٍّ له يقال له: القاسم بن عقيل بن أبي عمرو بن كعب بن عريج بن الحويرث بن عبد الله بن مالك بن هلال بن عادية بن عامر بن قداد، يأكل تمراً، فتناول من ذلك التمر شيئاً ليتحرم به، فجذبه الكلبي، فقال له القاسم: إنه رجلٌ من عشيرتي! فقال: لو كانت له عشيرةٌ منعته! فانطلق القاسم إلى بني عمه بني زيد بن الغوث، فاستتبعهم، فقالوا: نحن منقطعون في العرب، وليست لنا جماعة نقوى بها. فانطلق إلى أحمس فاستتبعهم. فقالوا: كلما طارت وبرة من بني زيد في أيدي العرب أردنا أن نتبعها! فانطلق عند ذلك إلى جرير بن عبد الله البجلي فكلمه، فكان القاسم يقول: إن أول يوم أريت فيه الثياب المصبغة والقباب الحمر، اليوم الذي جئت فيه جريراً في قسر، وكان سيد بني مالك بن سعد بن زيد بن قسر، وهم بنو أبيه. فدعاهم في انتزاع العادي من كلب، فتبعوه فخرج يمشي بهم، حتى هجم على منازل كلبٍ بعكاظ، فانتزع منهم مالك بن عتبة العادي، وقامت كلبٌ دونه، فقال جرير: زعمتم أن قومه لا يمنعونه. فقالت كلب: إن رجالنا خلوفٌ. فقال جرير: لو كانوا لم يدفعوا عنكم شيئاً. فقالوا: كأنك تستطيل على قضاعة، إن شئت قايسناكم المجد! وزعيم قضاعة يومئذ خالد بن أرطاة بن خشين بن شبث. قال: ميعادنا من قابلٍ سوق عكاظ. فجمعت كلبٌ وجمعت قسرٌ، ووافوا عكاظ من قابل، وصاحب أمر كلب خالد بن أرطاة، فحكموا الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع، حكمه جميع الحيين، ووضعوا الرهون على يدي عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، في أشرافٍ من قريش. وكان في الرهن من قسرٍ: الأصرم بن عوف بن عويف بن مالك بن ذبيان بن ثعلبة بن عمرو بن يشكر بن علي بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر. ومن أحمس: حازم بن أبي حازم، وصخر بن العلبة. ومن بني زيد بن الغوث ابن أنمار رجلٌ. ثم قام خالد بن أرطاة، فقال لجرير: ما تجعل؟ قال: الخطر في يدك. قال: ألف ناقة حمراء في ألف ناقة حمراء. فقال جرير: ألف قينة عذراء في ألف قينة عذراء، وإن شئت فألف أوقية صفراء لألف أوقية صفراء. قال: من لي بالوفاء؟ قال: كفيلك اللات والعزى، وإسافٌ ونائلة، وشمس ويعوق، وذو الخلصة، ونسر، فمن عليك بالوفاء؟ قال: ودٌّ ومناة، وفلس ورضا. قال جرير: لك بالوفاء سبعون غلاماً معماً مخولاً، يوضعون على أيدي الأكفاء من أهل الله. فوضعوا الرهن من بجيلة ومن كلب على أيدي من سمينا من قريش، وحكموا الأقرع بن حابس، وكان عالم العرب في زمانه. فقال الأقرع: ما عندك يا خالد؟ فقال: ننزل البراح، ونطعن بالرماح، ونحن فتيان الصباح! فقال الأقرع: ما عندك يا جرير؟ قال: نحن أهل الذهب الأصفر، والأحمر المعتصر، نخيف ولا نخاف، ونطعم ولا نستطعم. ونحن حيٌّ لقاح، نطعم ما هبت الرياح، نطعم الشهر، ونضمن الدهر، ونحن ملوك القسر! فقال الأقرع: واللات والعزى لو فاخرت قيصر ملك الروم، وكسرى عظيم فارس، والنعمان ملك العرب، لنفرتك عليهم! وأقبل نعيم بن حجبة النمري، وقد كانت قسرٌ ولدته، بفرسٍ إلى جرير، فركبه جرير من قبل وحشيه، فقيل: لم يحسن أن يركب الفرس! فقال جرير: الخيل ميامن، وإنا لا نركبها إلا من وجوهها. وقد كان نادى عمرو بن خثارم أحد بني جشم بن عامر بن قداد، فقال: الرجز لا يغلب اليوم فتًى والاكم *** يا ابني نزارٍ انصرا أخاكما إن أبي وجدته أباكم *** ولم أجد لي نسباً سواكما غيث ربيعٍ سبط نداكم *** حتى يحل الناس في مرعاكما أنتم سرور عين من رآكم *** قد ملئت فما ترى سواكما قد فاز يوم الفخر من دعاكم *** ولا يعد أحدٌ حصاكما وإن بنوا لم يدركوا بناكم *** مجداً بناه لكما أباكما ذاك ومن ينصره مثلاكم *** يوماً إذا ما سعرت ناراكما وقال أيضاً: الرجز يا لنزار قد نمى في الأخشب *** دعوة داعٍ دعوة المثوب يا لنزار ثم فاسعي واركبي *** يا لنزار ليس عنكم مذهبي إن أباكم هو جدي وأبي *** لم ينصر المولى إذا لم تغضبي يا لنزار إنني لم أكذب *** أحسابكم أخطرتها وحسبي ومن تكونوا عزه لا يغلب *** ينمي إلى عزٍّ هجانٍ مصعب كأنه في البرج عند الكوكب وقال أيضاً: الرجز يا أقرع بن حابسٍ يا أقرع *** إني أخوك فانظرن ما تصنع إنك إن يصرع أخوك تصرع *** إني أنا الداعي نزاراً فاسمعوا لي باذخٌ من عزه ومفزع *** به يضر قادرٌ وينفع وأدفع الضيم غداً وأمنع *** عزٌّ ألد شامخٌ لا يقمع يتبعه الناس ولا يستتبع *** هل هو إلا ذنبٌ وأكرع وزمعٌ مؤتشبٌ مجمع *** وحسبٌ وغلٌ وأنفٌ أجدع وقال أيضاً: يا أقرع بن حابسٍ يا أقرع *** إنك إن تصرع أخاك تصرع إني أنا الداعي نزاراً فاسمع *** في باذخٍ من عزه ومفزع قم قائماً ثمت قل في المجمع *** للمرء أرطاةٍ أيا ابن الأفدع ها إن ذا يوم علاً ومجمع *** ومنظرٍ لمن رأى ومسمع فنفره الأقرع بمضر وربيعة، ولولاهم نفر الكلبي. وكانت القرابة بين بجيلة وولد نزار: أن إراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، خرج حاجاً، فتزوج سلامة بنت أنمار بن نزار، وأقام معها في الدار بغور تهامة، فأولدها أنمار ابن إراشٍ ورجالاً. فلما توفي إراش وقع بين أنمار بن إراش وإخوته اختلافٌ في القسمة، فتنحى عن إخوته، وأقام إخوته في الدار مع أخوالهم. وتزوج أنمار بن إراش بهند بنت مالك ابن غافق بن الشاهد، فولدت أقيل وهو خثعم، ثم توفيت. فتزوج بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة، فولدت له عبقر، فسمته باسم جدها وهو سعد، ولقب بعبقر، لأنه ولد على جبل يقال له: عبقر. وولدت أيضاً الغوث، ووادعة، وصهيبة، وخزيمة، وأشهل، وشهلاء، وسنية، وطريفاً، وفهماً، وجدعة، والحارث. انتهى ما أورده أبو محمد الأعرابي. وظهر أنهما أرجوزتان على قافية العين، أولاهما مرفوعة والثانية مجرورة. والشاهد إنما يتأتى على الأولى. وقد روى أيضاً: إنك إن تصرع أخاك تصرعوا بالجمع، يريد الأقرع وقومه. وعلى هذا لا شاهد فيه كالرجز الثاني. وأنشد بعده: المنسرح الحافظو عورة العشيرة ل *** يأتيهم من ورائنا وكف على أنه تحذف نون الجمع للضرورة كما هنا، والأصل: الحافظون عورة العشيرة. وهذا على رواية نصب عورة. أما على رواية خفضها فالنون حذفت للإضافة. وقد تقدم الكلام عليه مفصلاً في الشاهد الثامن والتسعين بعد المائتين. والوكف، بفتح الواو والكاف، وروى بدله: نطف بفتح النون والطاء المهملة، وكلاهما بمعنى العيب. وأنشد بعده: الرجز وحاتم الطائي وهاب المئي على أنه حذف تنوين حاتم لالتقاء الساكنين، والمئي أصله المئين حذفت النون لضرورة الشعر، كحذف التنوين. وقد تقدم الكلام عليه مستوفًى في الشاهد الرابع والأربعين بعد الخمسمائة. وأنشد بعده: الكامل زعمت تماضر أنني إما أمت *** يسدد أبينوها الأصاغر خلتي على أن جمع أبينوها شاذ، كما بينه الشارح المحقق. وملخصه: أنه إما جمع أبينٍ مصغر أبنى كأعمى. وأما جمع أبين مصغر أبنٍ بفتح الهمزة، وهو جمع ابن بكسرها. وإما جمع أبينٍ مصغر ابن، بجعل همزة الوصل قطعاً. وإما مصغر بنيين على غير قياس. فهذه أقوال أربعة. قال أبو علي في باب من الجمع بالواو والنون، من كتاب الشعر: قال الشاعر: السريع إن يك لا ساء فقد ساءني *** ترك أبينيك إلى غير راع لا يخلو قولهم أبينون في تحقير أبناء من أن يكون مقصوراً من أفعال، ويكون تحقير أفعل، ويكون اسماً صيغ في التحقير. ولا يجوز أن يكون مقصوراً من أفعال، لأن أفعالاً لم يقصر في موضعٍ غير هذا، فلا يستقيم أن يدعى فيه شيء، ولا نظير له، وقد خولف فيه. ولم يجىء في شيء كما جاء أسد وأسد ونحوه. ولا يستقيم أن يكون تحقير أفعل، وإن كان أفعل مثل أفعال في أن كل واحدٍ منهما للعدد القليل. فإن قلت: أوليس قد قالوا: صبيٌّ وصبية، وغلام وغلمة، وقالوا في التصغير: أصيببة وأغيلمة، وأفعلة من فعلة كأفعل من أفعال في أن كل واحدٍ جمع أدنى العدد، جاء التكبير على أحدهما ووقع التحقير على الآخر. وكذلك أبينون، وإلى هذا يذهب بعض البغداديين. فالجواب: لا يستقيم أن يكون هذا على أفعل وإن كان ما ذكرت من أدنى العدد يقوم مقام الآخر لدخول الواو والنون وهماً في أنه للعدد القليل، مثل البناء المبني له، فلا يستقيم، إذ لم ينقل لحاق الواو والنون له، كما لا يجتمع الحرفان لمعنًى واحد في الكلمة. ألا ترى أنك إذا جمعت اسماً فيه علامة التأنيث بالألف والتاء أزلتها بالحذف والقلب. فكما أزلت العلامة فلم تجمع بينهما، كذلك لا يستقيم أن تجمع بين الواو والنون وبين بناء أدنى العدد، لاجتماع شيئين لمعنًى واحد في الكلمة. فإذا لم يستقم ذلك علمت أنه صيغ في التحقير، كما قال، كأنك حقرت أبنى مثل أعمى. فإن قلت فمن أبيات الكتاب: الرجز قد شربت إلا دهيدهين *** قليصاتٍ وأبيكرينا فالقول في ذلك أنه ضرورة. وكأن الذي استهواه أن أفعل جمعٌ من أبنية الجموع القليلة، وقد جاء ضربان منه بالتاء فهو أفعلة وفعلة، فلما وافقتها أفعل في القلة وكان تأنيث الجمع قائماً فيه قدر أن التاء فيه تلزم، فقدر فيها التأنيث كما جاء في البناءين الآخرين. فلما لم تثبت عوض منها كما عوض من العلامة التي ينبغي أن تثبت فيها، فقال أبيكرين كما قيل أرضون. فإذا كان كذلك لم تجتمع علامتان لمعنًى. ألا ترى أن الياء كأنها عوض من علامة التأنيث، كما أنها في أرضين كذلك. وأما أبينون فإذا لم تكن فيه ضرورة وكان التصغير قد يصاغ فيه الأسماء التي لا تكون في التكبير نحو: عشيشة وأنيسان كذلك تحمل أبنى على هذا النحو دون أفعل، فيلزم فيه اجتماع شيئين بمعنًى. وأما الدهيدهينا فيشبه أن يكون لما حذف حرف اللين الذي كان يجب إثباته، شبه ذلك بعلامة التأنيث من حيث الحذف، فجعل الواو والنون عوضاً من ذلك كما جعلها عوضاً من علامة التأنيث. انتهى كلام أبي علي. وقال ابن جني في إعراب الحماسة ذهب سيبويه إلى أن الواحد المكبر من هذا الجمع أبنى على وزن أفعل مفتوح العين، بوزن أعمى، ثم حقر أيضاً فصار أبين كأعيمٍ، ثم جمع بالواو والنون فصار أبينون، ثم حذفت النون للإضافة فصارت أبينوها. وذهب الفراء إلى أنه كسر ابناً على أفعل مضموم العين، ككلب وأكلب. ويذهب البغداديون في هذه المحذوفات إلى أنها كلها سواكن العين. فأبين عندهم كأديلٍ، كما أن أبنٍ ذلك المقدر عندهم كأدل. وكأن سيبويه إنما عدل إلى أن جعل الواحد من ذلك أفعل اسماً واحداً مفرداً غير مكسر لأمرين: أحدهما: أن مذهبه في ابنٍ أنه فعل، بدلالة تكسيرهم إياها على أفعال، وليس من باب فعل وفعل. والآخر: أنه لو كان أفعل لكان لمثال القلة، ولو كان له لقبح جمعه بالواو والنون. وذلك أن هذا الجمع موضوعٌ للقلة فلا يجمع بينه وبين مثال القلة، لئلا يكون ذلك كاجتماع شيئين لمعنًى واحد، وذلك مرفوضٌ في كلامهم. ورأى مع هذا أنه قد جاء في أسماء الجموع المفردة غير المكسرة ما هو على أفعل مفتوح العين، وهو ما أنشده أبو زيد من قوله: الطويل ثم رآني لا أكونن ذبيحةً *** وقد كثرت بين الأعم المضائض كذا رواه الأعم بفتح العين، ومثله أثأبة وأثأب، وأضحاة وأضحى. وهذه أسماءٌ مفردة غير مكسرة. وكذلك أروى، وله نظائر. واعتصم الفراء فيما ذهب إليه بقول الشاعر: قد رويت إلا دهيدهين *** قليصاتٍ وأبيكرينا فهذا تحقير أبكر، وهو مثال القلة كما ترى، وقد جمع بالواو والنون. وكان يروى: الأعم بضم العين، فهذا عنده كصكٍّ وأصك، وضبٍّ وأضب. وكيف تصرفت الحال فرواية أبي زيد في النفوس بحيث لا ريب. وأما قوله: من يك لا ساء فقد ساءني *** ترك أبينيك إلى غير راع فيحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون الياء فيه علم الجمع، كالواو في قوله: أبينوها. والآخر: أنه واحد الأبنين على ما تقدم من الخلاف فيكون على قول صاحب الكتاب تحقير ابنى كأعمى، وعلى قياس قول الفراء تحقير أبنٍ كأدلٍ، فيكون اللام ياء. انتهى. واقتصر ابن الشجري في أماليه على مذهب سيبويه، قال: وأشكل ما في هذا الاسم وهو أبنٍ قولهم في جمع مصغره: أبينون في هذا البيت. لا يجوز أن يكون أبينون جمعاً لمصغر ابن، لأنه لو كان كذلك لقيل: بنيون. ولا يجوز أن يكون جمعاً لمصغر أبناءٍ، لأنه لو كان كذلك لقيل: أبيناؤون. ولو أرادوا هذا لاستغنوا بقولهم: أبيناءٌ عن جمعه بالواو والنون. وإذا بطل الأول والثاني فإن قولهم: أبينون جمعٌ لتصغير اسم للجمع، وليس بجمع، ولكنه كنفرٍ ورهط، وهو مما قدروه ولم ينطقوا به. ومثاله أبنى مقصور بوزن أعشى، ثم حقر فصار إلى أبينٍ مثل أعيش، ثم جمع، فقيل: أبينون، وأصله أبينيون، ففعل به ما فعل في القاضون. انتهى. وبقي مذهبٌ خامسٌ نقله الخطيب التبريزي في شرح هذا البيت من الحماسة عن أبي العلاء المعري، قال: زعم أبو العلاء أن أبينوها تصغير أبناءٍ. ولما ذكر سيبويه هذا الجمع عبر بعبارةٍ توهم أنه جمع أبنى على أفعل ثم صغر، كما يقال: أعشى وأعيشٍ والجمع أعيشون. وإنما أراد أن الألف التي في أبناءٍ وبعدها الهمزة تحذف، فيصير تصغيره كتصغير أفعل. كأن أبا العلاء يريد أن مكبر هذا الجمع أبنى على وزن أفعل مفتوح العين بوزن أعمى، ثم حقر فصار أبينٍ كأعيمٍ، ثم جمع بالواو والنون فصار أبينون، ثم حذفت النون للإضافة. وكان الأصل أبناءً على أفعال، فالهمزة لام الكلمة، وهي منقلبةٌ من واو، فلما حذفت الألف من أفعال رجعت اللام إلى ما كانت فصارت ألفاً في آخر الكلمة، فصار أبنى كأعمى، ثم صغر على ما تقدم. وقال: ويحسن أن يقال: جمع ابناً على أفعل، لأن أصله فعل كما يقال: زمنٌ وأزمن، ثم صغره وجمعه. وقال قوم: إنما أراد بنيون، وابن من ذوات الواو، فنقلها إلى أول الاسم، ثم همزها للضمة، كما قالوا: وجوه وأجوه. فقوله: أبينوها على هذا تصغير أبنى مقصوراً عند البصريين، وهو اسمٌ صيغ للجمع كأروى وأضحى، فهو على أفعل بفتح العين. انتهى. والبيت من قصيدةٍ عدتها أحد عشر بيتاً لسلمي بن ربيعة من بني السيد بن ضبة، أوردها أبو تمام في الحماسة وهي: الكامل حلت تماضر غربةً فاحتلت *** فلجاً وأهلك باللوى فالحلة وكأن في العينين حب قرنفلٍ *** وسنبلاً كحلت به فانهلت زعمت تماضر أنني إما أمت *** يسدد أبينوها الأصاغر خلتي تربت يداك وهل رأيت لقومه *** مثلي على يسري وحين تعلتي رجلاً إذا ما النائبات غشينه *** أكفى لمعضلةٍ وإن هي جلت ومناخ نازلةٍ كفيت وفارسٍ *** نهلت قناتي من مطاه وعلت وإذا العذارى بالدخان تقنعت *** واستعجلت نصب القدور فملت دارت بأرزاق العفاة مغالقٌ *** بيدي من قمع العشار الجلة ولقد رأبت ثأى العشيرة بينه *** وكفيت جانيها اللتيا والتي وصفحت عن ذي جهلها ورفدته *** نضحي ولم تصب العشيرة زلتي وكفيت مولاي الأحم جريرتي *** وحبست سائمتي على ذي الخلة وقد روى هذه القصيدة القالي في أماليه، وأبو الحسن الأخفش في شرح نوادر أبي زيد كما نقلناها. قوله: حلت تماضر غربةً إلخ، قال الإمام المرزوقي: تماضر: امرأته، وكانت فارقته عاتبةً عليه في استهلاكه المال، وتعريضه النفس للمعاطب، فلحقت بقومها، فأخذ هو يتلهف عليها ويتحسر في أثرها، وأثر أولاده منها. فيقول: نزلت هذه المرأة بعيدةً منك فاحتلت فلجاً وأهلك نازلون بين الموضعين. وهذا الكلام توجعٌ. وفلج: على طريق البصرة. والحلة: موضع من الحزن ببلاد ضبة. واللوى: رمل متصل به رقيق. وبين المواضع التي ذكرها تباعد. فإن قيل: لم قال حلت، ثم قال: احتلت؟ قلت: نبه بالأول أنها اختارت البعد منه والتغرب عنه، وبالثاني الاستقرار، فكأنه قال: نزلت في الغربة فاستوطنت فلجاً. وفلج بفتح اللام: بلد، وفلج بسكون اللام: ماء. انتهى. وقال الأسود أبو محمد الأعرابي في شرح الحماسة: هذه المرأة فارقته إما بطلاق وإما مغاضبة، فأسف عليها. والحلة بفتح المهملة وكسرها: موضعٌ حزن وصخورٌ ببلاد ضبة. واللوى هنا: موضعٌ بعينه. والغربة، بفتح الغين المعجمة: الأرض البعيدة. وفلج بالفتح والسكون: وادٍ بطريق البصرة إلى مكة، ببطنه منازل للحاج، وبينه وبين فلج، زعموا مسيرة عشرٍ. انتهى. وقال التبريزي: قوله غربة، أي: دار بعيدة. والحلة: موضعٌ في بلاد بني ضبة. وقالوا: هي حزنٌ ببلاد ضبة. انتهى. وتماضر من أسماء النساء. قال ابن جني في إعراب الحماسة: التاء في تماضر عندنا فاءٌ، وإنما لم يصرف عندنا هذا الاسم لما فيه من التعريف والتأنيث، لا لأنه بوزن تفاعل، فتماضر إذاً كقراقر وعذافر. وكذا القياس في تاء جمل ترامز. انتهى. والظاهر أن تماضر تفاعل، والتاء زائدة لا أصلٌ، إذ هو من مضر. وإليه ذهب أبو العلاء المعري في شرح ديوان البحتري، قال: تماضر بضم التاء وكسر الضاد، وهو منقول من فعل مضارع، كما سميت المرأة تكتم وتكنى. وكان في النسخة أي من ديوان البحتري، قال: تماضر بفتح التاء وضم الضاد. وهذا غلط، والمعروف في أسماء النساء ما ذكرنا. وذكر ابن السراج عن قومٍ من النحويين أنهم جعلوا تماضر في الأبنية التي أغفلها سيبويه. وهذا وهم، لأن تماضر تفاعل من قولك: ماضرت تماضر. فإما أن يكون مأخوذاً من اللبن الماضر، وهو الحامض وقيل: الأبيض، فكأنه من ماضرت الرجل، إذا سقيته وسقاك اللبن. وإما أن يكون من مضر، كأنه من ماضرته، إذا ناسبته إلى مضر. انتهى. وقد تبعه تلميذه الخطيب التبريزي هنا، وقال: تماضر من أسماء النساء. وقد ذكرها بعض الناس فيما أغفله سيبويه من الأبنية. وليس الأمر كذلك، لأن تماضر مسماة بالفعل المضارع الذي هو مأخوذ من اللبن الماضر، وهو الحامض، ومن قولهم: عيش مضر، أي: ناعم، وقيل: المضر: الأبيض. انتهى. وقوله: وكأن في العينين إلخ، قال المرزوقي: يقول: ألفت البكاء لتباعدها، فجادت العينان بإسالة دمعهما غزيراً متحلباً منهما، فكأن في عيني أحد هذين المهيجين الحالبين للعيون. وقوله: كحلت إخبارٌ عن إحدى العينين، وساغ ذلك لما في العلم من أن حالتيهما لا تفترقان، ومتى اجتمع شيئان في أمر لا يفترقان فيه، اجتزىء بذكر أحدهما عن الآخر. انتهى. والقرنفل والسنبل من أخلاط الأدوية التي تحرق العين، وتسيل الدموع. وانهل واستهل، إذا سال. وقوله: زعمت تماضر أنني إلخ، قال المرزوقي في زعمت: يتردد بين الشك واليقين. وها هنا يريد بن الظن. وأنني مع معموليها نائب عن مفعوليه. يقول: ظنت هذه المرأة أنه إن نزل بي حادث قضاء الله تعالى، سد مكاني ورم ما يتشعث من حالها بزوالي، أبناؤها الأصاغر. ويريد بهذا الكلام التوصل إلى الإبانة عن محله، وأنه لا يغني غناءه من الناس إلا القليل. يقال: سد فلانٌ مسد فلان وسد خلته، وناب منابه، وشغل مكانه، بمعنًى واحد. فإن قيل: كيف ساغ أن يقول يسدد خلتي، وإذا مات لم تكن له خلةٌ؟ قلت: أضافها إلى نفسه لما كان يسدها أيام حياته، فكأنه قال: الخلة التي كنت أسدها. وهذا من إضافة الشيء إلى الشيء على المعتاد فيهما. ومثله قولهم: شهاب القذف، فأضيف الشهاب إلى القذف، لما كان من رمي الرامي. ووجوه الإضافات واسعةٌ كثيرة، وكذلك متعلقاتها. انتهى. وقال الأسود: أرته الاستغناء عنه بأطفالها. وهذا يدل على أنها غاضبةٌ، وهي في حباله. والخلة بفتح المعجمة: الفرجة، والثلمة التي يتركها بموته. والخلة: الضعف والوهن، والخلة: الفقر. والخليل: الفقير، والخلة: الخصلة. وقوله: تربت يداك إلخ، هذا التفاتٌ من الغيبة إلى خطابها. قال المرزوقي في ترب: يستعمل في الفقر والخيبة لا غير. وأترب يستعمل في الغنى والفقر جميعاً، فإذا أريد به الغنى، فالمعنى صار له من المال بعدد التراب، وإذا أريد به الفقر، فالمعنى: صار في التراب، كما يقال: أسهل، إذا صار في السهل. وقد يجوز أن يكون مثل أقل، والمعنى صار مالك قليلاً من المال. وقوله: حين تعلتي: المعنى: وحين اعتمدت على إقامة العلة لحصول الفقر. وعلى هذا قوله: الطويل قليل ادخار الزاد إلا تعلةً أي: قدر ما يقام به العلة. أقبل عليها يوبخها ويخطىء رأيها، ويكذب ظنها، ويقبح اختيارها، في إفاتة نفسها الحظ منه، ويدعو عليها بالفقر والخيبة في الرجاء فقال: صار في يدك التراب، وهل رأيت لقومه من يماثلني في حالتي السراء والضراء، حتى تعلقي مثل رجائك في بغيري، إذا أخليت مكاني. انتهى. وقال الأسود: أي: خاب رجاؤك حين تعدلين بي أطفالاً، وقد رأيت الرجال أعياهم مكاني. وتربت يداك معناه صار في يدك التراب، أي: لك الخيبة مما أملت. وهي كلمةٌ تقال للمخطىء وجه القصد. وقوله: حين تعلتي: يريد العسر، تعتل حاله وتختل. وقال التبريزي: التعلة من عللت، كأنه أراد حين أفتقر، فأحتاج إلى العلل، أي: الحجج، وإلى أن أعلل نفسي كما يعلل العليل. قال ابن جني: قوله: وحين تعلتي معطوف على موضع قوله: يسري، أي: على وقت يسري وحين تعلتي. ومثلي يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون مفعول رأيت، فينتصب رجلاً في البيت بعده على التمييز، كقولك: لي مثله عبداً، أي: من العبيد، فيكون تقديره: مثلي من الرجال الذين إذا غشوا كفوا. والآخر: أن يكون أراد هل رأيت رجلاً مثلي؟ فلما قدم مثلي، وهو وصفٌ نكرة نصبه على الحال منها. واللام في قوله: لقومه متعلقة بنفس رأيت، كقولك: رأيت لبني فلان نعماً وعبيداً. وإن جعلت مثلي مفعول رأيت كانت الهاء في قومه له. وإن جعلته حالاً مقدمة فالهاء لرجل. وقوله: رجلاً إذا ما النائبات إلخ، قال المرزوقي: رجلاً بدل من مثلي، كأنه قال: هل رأيت لقومه رجلاً أكفى للشدائد، وإن عظمت عند طروق النوائب وغشيان الحوادث مني؟ فحذف مني لأن المراد مفهوم. والمعضلة: الداهية الشديدة. يقال: أعضل الأمر، إذا اشتد. ويروى: لمضلعة وهي التي تضم الأضلاع بالزفرات، وتنفس الصعداء، حتى تكاد تحطمها. وقوله: ومناخٍ نازلةٍ إلخ. قال المرزوقي: أخذ يعدد ما كانت كفايته مقسومةً فيه، ومصروفةً إليه. ومناخ: مصدر أنخت. وكفيت يتعدى إلى مفعولين، وقد حذفهما، كأنه قال: كفيته العشيرة. يقول: رب نازلةٍ أناخت، أنا دفعت شرها، وكفيت قومي الاهتمام بها، ورب فارسٍ سقيت رمحي من دم ظهره، العلل بعد النهل. وخص الظهر ليعلم أنه أدبر عنه وولى. وقوله: وإذا العذارى بالدخان إلخ. قال المرزوقي: أقبل يعدد الخصال المجموعة فيه من الخير بعد أن نبه على أنه لا يقوم مقامه أحد، فكيف من طمعت في نيابته عنه. يقول: وإذا أبكار النساء صبرت على دخان النار حتى صار كالقناع لوجهها، لتأثير البرد فيها، ولم تصبر لإدراك القدور بعد تهيئتها ونصبها، فشوت في الملة قدر ما تعلل به نفسها من اللحم، لتمكن الحاجة والضر منها، ولإجداب الزمان واشتداد السنة على أهلها أحسنت. وجواب إذا في البيت بعده. وخص العذارى بالذكر لفرط حيائهن، ولتصونهن عن كثيرٍ مما يتبذل فيه غيرهن. وجعل نصب القدور مفعول استعجلت على المجاز والسعة. ويجوز أن يكون المراد به: استعجلت غيرها بنصب القدور، وفي نصب القدور، فحذف الجار. انتهى. وقال الأسود: ويروى: تلفعت. واللفاع: الملحفة. والقناع: المقنعة. أي: غشين الدخان، حتى صار لهن كاللفاع، والقناع من شدة البرد. واستعجلت نصب القدور فملت، أي: ألقت اللحم في الملة جوعاً وضراً، لم تصبر إلى إدراك القدر. قال التبريزي: وعلى هذا يكون وملت بالواو، وغير أبي تمام يرويه: الكامل واستبطأت نصب القدور فملت وقال ابن جني: ملت هنا، من ملة النار لا من الملالة، أي: بادرت للضرورة الخبز قبل القدر. وهذا البيت أورده البيضاوي عند قوله تعالى: {ولهم فيهم أزواج مطهرة}، واستشهد به على جواز جمع الصفة وإفرادها في مطهرة. وقرأ زيد بن علي: مطهراتٌ، وهما لغتان فصيحتان. وقوله: دارت بأرزاق العفاة إلخ، هو جمع عافٍ، وهو كل طالب رزق من الناس وغيرهم. ومغالقٌ: فاعل دارت، وهي قداح الميسر جمع مغلق ومغلاق بكسرهما، مأخوذ من غلق الرهن، لأنه من فاز سهمه غلق نصيبه فذهب به غير منازع فيه. قاله الأسود. وقال المرزوقي: وإنما سميت القداح مغالق لأن الجزر تغلق عندها وتهلك بها. والقمع، بفتحتين: قطع السنام، الواحدة قمعة. والعشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي قد أتى عليها من حملها عشرة أشهر، وتستصحب هذا الاسم فتسمى به بعد وضعها الحمل بأشهر. والجلة، بكسر الجيم: المسان، الواحدة جليلة. ومنه: ما له دقيقةٌ ولا جليلة، أي: شاة ولا ناقة. قال المرزوقي: قوله أرزاق العفاة كلامٌ شريف، يقول: وإذا صار الزمان كذا، دارت القداح في الميسر بيدي، لإقامة أرزاق الطلاب من أسنمة النوق المسان الكبار الحوامل، التي قرب عهدها بوضع الحمل. وكل ذلك يضن به ويتنافس فيه. وقال الأسود: قوله بيدي فيه قولان: أحدهما: أن ذوات الأنصباء من القداح سبعة، وعدد الأيسار سبعة، فإذا نقص منهم واحدٌ، أخذ أحد الستة قدحه، وأخرج من ثمن الجزور نصيبه، ثم جعل إحدى يديه ضاربةً بقدح نفسه، والأخرى بقدح صاحبه. وإنما أراد بذلك التمدح بأنه يضرب بقدحين، لا أنه يفرد لهذا يداً ولهذا أخرى. وإياه أراد متمم بن نويرة بقوله: الطويل بمثنى الأيادي ثم لم تلف مالك *** من القوم ذا قاذورةٍ متزبعا والآخر: أنه أراد: يقرع بين إبله أيها ينحر؟ فقال: بيدي ليعلم أنه لم يرد مقارعة إنسان غيره. انتهى. وقال بعضهم: في البيت مبالغات: إحداها: قوله دارت، فإنه يدل على أنه أمر متكرر مرة بعد أخرى. ثانيها: جمع الرزق والعافي. ثالثها: الدلالة على أنه غارم لا فائز. رابعها: قوله يدي بالتثنية. خامسها: إيثار السنام الذي هو أطيب ما في الإبل. سادسها: العشار، وهي أنفس الإبل عند العرب. سابعها: قمعها وتعريفها. ثامنها: أن العفاة ما لهم موئل غيره. وفيه غير ذلك. وقوله: ولقد رأبت ثأى العشيرة إلخ. قال الأسود: رأبت رأباً: أصلحت. والثأى كالعصا: الصدع. وقد ثأى الخرز، إذا انخرمت خرزتان فصارتا واحدة، أي: ما كان بينها من نائرة أطفأت، وجناية غرمت، وكفيت جانبها اللتيا والتي، وهما من أسماء الدواهي، واللتيا أصغر من التي، وهي في الأصل تصغيرها، ثم هما من الأسماء الموصولة وحذفت صلتها. وذلك في عظم الأمر وشدته، كأنه قال: كفيته التي عظمت شدتها، وتناهت بليتها. وكأنه يريد باللتيا صغار المغارم. أي: غرمها في ماله. وبالتي عظامها، كالدم يعقله عن القاتل ونحوه. انتهى. وقال المرزوقي: يقول: وكما ظهر غنائي في تلك الأبواب، فلقد سعيت في إصلاح ذات البين من العشيرة، وكفيت من جنى منها الجناية الصغيرة والكبيرة، بالمال والنفس، والجاه والعز. وقوله: جانيها إن فتحت الياء كان واحداً، وإن أدى معنى الجمع. وإن سكنت الياء جاز أن يكون جمعاً سالماً، وأن يكون واحداً حذف فتحتها. وقال ابن جني: بينها متعلق بنفس الثأى، أي: أصلحت الفساد بينها. والهاء في جانيها ضمير العشيرة، أي: كفيت جاني العشيرة الداهية التي جناها على نفسه. ولا يجوز أن يكون ها ضمير اللتيا، أي: جاني الداهية، وذلك أن الجاني هو المفعول الأول وهو مقدم في موضعه. فلا يجوز أن يتعلق به ضمير المفعول الثاني، لأنه إنما يتقدم ضمير الشيء عليه إذا كان رتبته أن يكون بعده: فأما أن يتقدم ضمير الشيء عليه متعلقاً بما رتبته التقديم على صاحب الضمير فذلك تقديم الضمير على مظهره لفظاً ومعنًى، وهذا عندنا غير جائز البتة، وإنما المتجوز من ذلك أن يتقدم الضمير على مظهره لفظاً على أن يكون متأخراً عنه معنى. فأما تقدمه عليه لفظاً ومعنى فلا. ألا ترى: لا تقول ضرب غلامها هنداً. ولكن تقول: ضربت غلامها هند. فكذلك لا يكون ها من جانيها ضميراً للتيا. كما لا تجيز أعطيت مالكه درهماً ولا كسوت صاحبها جبة، ولكن تقول: أعطيت درهمه زيداً، وكسوت ثوبه عمراً. وقد يجوز مع هذا كله أن تكون ها من جانيها ضميراً للتيا على حد ما يجيزه من: أعطي الدرهم زيداً، وأدخل القبر عمراً على القلب. وعلى هذا أجازوا: مررت بالمكسوته جبةٌ، ولقيت المعطاه درهمٌ. فكأن اللتيا والتي على هذا هي المكفية جانيها، كما أن الجبة هي المكسوة زيداً فهو على قولك: كفيت اللتيا جانيها. فاعرفه. انتهى، ولنفاسته سقناه برمته. وقوله: وصفحت عن ذي جهلها إلخ، قال الأسود: أكمل مكرمة صلاح ذات البين بما أردفه من الإغضاء على ما بدر من جاهلها. أي: من جهل منهم علي صفحت عنه ولم أجهل عليه. وقوله: تضحي أراد تضحي وتمسي، فاكتفى بذكر أحدهما من الآخر. ووجه آخر: خص الغداة بالذكر، لأن جناة الشر يتوخون به ظلام الليل إرادة أن يخفى ذلك. انتهى. وقد صحف هذه الكلمة وحرفها، وإنما هي نصحي بالصاد المهملة. قال المرزوقي: يصف نفسه بالحلم معهم ومع سفهائهم، يقول: عفوت عن جاهلها فلم أؤاخذه بما يدر منه من هفوة وزلة، ثم بذلت نصحي لعشيرتي بمقدار جهدي، ولم أجر عليه جريرتي. وقال الأسود: المعنى أنه ليس من أهل السفه وجناة الشر. وقوله: ولم تصب العشيرة زلتي، أي: إن زل، ولا عصمة، كفى نفسه، ولم يشتد عليه الأمر، فيفتقر إلى من يكفيه، ويعينه. وقوله: وكفيت مولاي الأحم إلخ، قال الأسود: الأحم بالمهملة هو الأخص الأدنى، من الحميم. وهو تفسيرٌ لقوله: ولم تصب العشيرة زلتي وتأكيدٌ للإكمال. يقول: إن جررت جريرةً أغنيت فيها نفسي عن ابن عمي الأدنى، فضلاً عن الأبعد، وحبست سائمتي، يريد السوام، وهو المال الراعي. وقد سامت الماشية: دخل بعضها في بعض في الرعي. وهذا إغراقٌ بعد التأكيد، أي: حبستها عن المرعى على ذي الخلة بالفتح، أي: الفقر، ليختار منها على عينه، كما قال: الطويل يخير منها في البوازل والسدس انتهى. قال ابن جني: اعلم أن هذا الشاعر لزم اللام قبل هذه التاء في هذه الأبيات، وليست بواجبةٍ من حيث كان الروي إنما هو التاء. ووجه ذلك فيما ذهب إليه قطرب: أن هذه التاء في الفعل، نظيرة الهاء في الاسم. فكما يلزم ما قبلها في نحو: قائمة وسائمة فكذلك التزم ما قبلها في نحو: ضنت وحنت. نعم، وقد يلتزم الشاعر المدل ما لا يجب عليه، ثقةً بنفسه، وشجاعةً في لفظه. وقد ذكرت من هذا الطرز في كتاب المعرب ما يتجاوز قدر الكفاية. وسلمي بن ربيعة روي بوجهين: أحدهما: بضم السين وتشديد الياء التحتية، قال ابن جني في المبهج: هو اسمٌ مرتجل. وثانيهما: سلمى بفتح السين والقصر، قال أبو الحسن الأخفش: وقع في نسختي من نوادر أبي زيد بهذا الضبط، وحفظي، بالوجه الأول. والسيد بكسر السين، قال ابن جني: السيد: الذئب، والأنثى سيدانة بزيادة الألف والنون. وضبة أيضاً: اسم منقول من ضبة الحديد، ومن أنثى الضب ونحوه. وسلمي شاعرٌ جاهلي، وهذه نسبته من جمهرة ابن الكلبي: سلمي بن ربيعة بن زبان، بفتح الزاي وتشديد الموحدة، ابن عامر بن ثعلبة بن ذئب بن السيد ابن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان. ومن ولد سلمي في الإسلام: يعلى بن عامر بن سالم بن أبي سلمي بن ربيعة، كان على خراج الري وهمذان. ومن ولده أيضاً: المفضل الراوية بن محمد بن يعلى بن عامر بن سالم المذكور. وأنشد بعده:
|